لفظ ثلاثة شبان مغاربة أنفاسهم الأخيرة في نهاية مأساوية بعدما ظلوا، طوال ثلاثة شهور داخل حاوية مغلقة تضمّ أسمدة زراعية، في طريقهم غلى أحد بلدان أمريكا الجنوبية، قبل أن ينهشهم الجوع والعطش ويلقوا برفقة اشخاص من جنسيات مختلفة مصيرهم المحتوم. وكشفت أول خيوط هذه المأساة الإنسانية الجديدة سلطات الباراغواي، بعدما اكتشف “بقايا” أجسادهم داخل حاوية للأسمدة. وانكشفت أولى خيوط المأساة بعدما تسلم رجل أعمال شحنة الأسمدة الزراعية، التي وصلت من صربيا بعدما قطعت الشاحنة 11 ألف كيلومتر، في مدة تجاوزت ثلاثة شهور، قبل أن تزكم أنفه رائحة كريهة لم يستطيع تحمّلها، ما دفعه إلى إبلاغ السلطات، التي فتحت الحاوية لتكتشف بداخلها، وفق ما ذكرت مصادر إعلام محلية، “بقايا” الجثث السبع.
وكشف التشريح الطبي أن الأشخاص السبعة قضوا داخل الحاوية جوعا وعطشا واختناقا وسط أكياس الأسمدة الزراعية والحرارة المرتفعة في غشت الماضي. ولفظوا أنفاسهم تباعا في حاوية مقفلة عليهم بإحكام بحيث لا تُفتح إلا من الخارج ومشحونة على متن السفينة بين حاويات متكدّسة فوق بعضها بعض. كما أن التنفس فيه صعب ومرهق للغاية بين الأكياس، إذ قضوا نحبهم خلال الوقت الذي استغرقته السفينة لتصل إلى وجهتها الأخيرة بعد شهور، رست خلالها في موانئ ثلاث دول لشحن المزيد من البضائع أو لتسليم
ووفق المعطيات المتوفرة حول هذه القضية فقد “سافر” الهالكون خلسة وتسللا في هجرة غير شرعية، وقام أحد بوضعهم، بمقابل توافقوا عليه، في مؤخرة الحاوية مع شحنة الأسمدة، التي اشتراها رجل أعمال من الباراغواي، وأنهم كانوا يظنون أنهم سيستقرون في بلد قريب، في أوروبا الغربية على الأرجح، إذ عثر المحققون على ما يشير إلى أنّ الطعام والماء اللذين حملوهما معهم كانا لا يكفيان غلا لمسافة قصيرة.
هكذا إذن كانت الساعات الأخيرة للشبان المغاربة الثلاثة داخل الحاوية مؤلمة إلا حد لا يمكن تصوره، خصوصا أنه لم ينجُ منهم أحد ليروي فصولها المفجعة، في مشهد مرعب يذكر برواية غسان كنفاني “رجال في الشمس”، والتي تساءل في نهايتها “لماذا لم يدقوا الخزان؟”.. والأكيد أن ضحايا هذه الرحلة المفجعة نحو “الحلم الأمريكي” التي انتهت بهم إلى هذا المصير المحتوم سيكونون قد دقّوا الجدران لكنْ لم يسمعهم أحد.