عبد الرحمان زيطان
صرح السيد رئيس الحكومة في ندوة صحفية نظمت يوم الأحد 19 يوليوز 2020 بأن وزارة التربية الوطنية وضعت ثلاثة سيناريوهات للدخول المدرسي المقبل. وأنه دخول مدرسي مازال يكتنفه غموض بسبب وضعية تطور الوباء ببلادنا.
أما ارتباط سيناريوهات الدخول المدرسي المقبل بتطور الحالة الوبائية ببلادنا وفق تصريحات السيد رئيس الحكومة فتعني:
إما الاستمرار في تعليق الدراسة الحضورية واعتماد سيناريو “استمرارية التعلم عن بعد” في حالة تمديد حالة الطوارئ والحجر الصحي؛
إما اعتماد سيناريو التناوب بين الدراسة الحضورية والتعلم عن بعد في حالة استمرار الحالة الوبائية بإيقاعها المخفف؛
إما الرجوع إلى الدراسة الحضورية والدخول المدرسي العادي في حال رفع حالة الطوارئ ورجوع الحياة إلى عادتها القديمة.
تم الإعلان عن نتائج الدورة الاستدراكية لامتحان البكالوريا، وعرف الوباء حراكا ملحوظا في العديد من جهات المملكة، بل تمكن من ضرب كثير من الأقاليم التي ظلت صامدة طيلة المرحلتين السابقتين من حالة الطوارئ وإن بدرجات متفاوتة؛ ولم يصدر بعد مقرر تنظيم السنة الدراسية المقبلة؛ ولم يعد يفصلنا عن موعد الدخول المدرسي الفعلي في شكله المعتاد إلا شهرا واحدا، وهو بشكل أو بآخر شهر عطلة لاسترجاع الأنفاس وتجديد الطاقات الإدارية بعد موسم دراسي لم يكن عاديا وتدبيره كان استثنائيا بكل المقاييس.
مجرد تأمل بسيط في السيناريوهات الثلاثة المطروحة لتدبير الدخول المدرسي المقبل تجعلنا لا نستسيغ غموضه إداريا وتربويا إذا ما استحضرنا عامل الزمن وأهميته في الإعداد لأجرأة هذا السيناريو أو ذاك. كما تجعلنا أمام ثلاث سيناريوهات للتفكير نعرضها بشكل معكوس على الشكل التالي:
السيناريو الأول:
في حال العودة إلى الوضع الاعتيادي وانطلاق الدخول المدرسي في موعده في صورته التقليدية، فإن السؤال المطروح هو: هل فعلا تم الإعداد الكامل لهذا الدخول الذي هو، بقوة الواقع، لن يكون عاديا؟ إن التحضير للدخول المدرسي العادي ينطلق مع عملية التسجيلات الجديدة، أي منذ شهر مايو. وأن الوزارة كانت قد أطلقت عملية التسجيلات الجديدة عن بعد وعهدت فيها إلى الأمهات والآباء بدور أساس، فهل تتوفر الأرقام الدالة على نجاح هذه العملية؟ وإذا سلمنا بأن الدخول المدرسي سيكون عاديا، فسيفرض السؤال نفسه بطريقة أخرى على الشكل التالي: سيكون الدخول المدرسي عاديا بالنسبة لمن؟ أللمتعلمات والمتعلمين الذين قضوا قرابة نصف سنة خارج الحياة المدرسية الاعتيادية وهم في حاجة إلى “إعادة إدماج” بعدما تركت ” الاستمرارية البيداغوجية” بالضرورة، في أنفسهم، لا محالة، أثرا، وفي علاقتهم بالمدرسة تغيرا؟ أم سيكون دخولا مدرسيا عاديا بالنسبة للمدرسات والمدرسين الذين، حتى القدماء منهم وغير المستفيدات والمستفيدين من الحركات الانتقالية، سيجدون أنفسهم أمام وضعيات بيداغوجية نوعية تتطلب تخطيطا من نوع خاص، وتدبيرا من نوع خاص، وسيناريوهات بيداغوجية من نوع خاص، في غياب تام لأي تأهيل أو تكوين؟ أما بالنسبة للجدد منهم فالأمر حتما هو أصعب وخصوصا في أقاليم “العبور المهني” التي يغادرها أكثر من ثلث مجموع أطرها سنويا حيث ستنضاف إلى هذه الوضعيات المرتبطة بممارسة الوظيفة وضعيات تأمين الاستقرار لأداء هذه الوظيفة التي عادة ما تتطلب بالوسط القروي الكثير من الجهد والتدخلات لتأمين السكن وشروط الحد الأدنى للاستقرا.
أم سيكون دخولا مدرسيا عاديا بالنسبة لمديرات ومديري المؤسسات التعليمية الذين سيجدون أنفسهم أمام مهام ليست بالهينة تتعلق بضرورة إرساء دخول مدرسي استثنائي وفي ظروف استثنائية وفي مدة زمنية استثنائية (تسجيلات جديدة وإعادة التسجيل – بنية تربوية – تدبير الخصاص والفائض وفق هذه البنية التربوية – جداول حصص واستعمالات الزمن -…) قبل التفرغ لمواكبة إنجاز تقييم المستلزمات الدراسية بشكل مؤسساتي وبإرساء خطط للدعم البيداغوجي الاستدراكي وما يتطلب كل ذلك من تأطير وتعبئة وآليات للمواكبة والتتبع وما إلى ذلك؟ أم سيكون دخولا مدرسيا عاديا بالنسبة لهيئة التأطير والمراقبة التربوية التي ستجد نفسها بين مطرقة مستلزمات مصاحبة المدرسات والمدرسين في وضعياتهم المهنية الاستثنائية وبين سندان الإرساء الإداري للدخول المدرسي ( توزيع مناطق التفتيش – مأسسة العلاقات مع الإدارة التربوية للمؤسسات التعليمية ومع هيئة التدريس بمنطقة التكليف – تقاسم مستجدات المنهاج الدراسي – الإعداد والمصادقة على جداول الحصص واستعمالات الزمن – …. )، وكذا مستلزمات مواكبة وتتبع عمليات إرساء الدخول المدرسي الذي تلعب فيها هيئة التأطير والمراقبة التربوية الدور الأساس.
علما أن كل هذه العمليات يجب أن تتم في مدة زمنية قياسية حتى يستفيد المتعلمات والمتعلمون فعليا من فترة الدعم البيداغوجي الاستدراكي التي سيخصص لها شهر شتنبر كما سبق للوزارة الوصية التصريح بذلك في عدة مناسبات. وأن كثيرا من هذه العمليات كان من المفروض إنجازها خلال شهري يونيو ويوليوز من خلال خطة استيباقية احترازية إداريا وتكوينيا وتأطيريا.
السيناريو الثاني:
في حالة اعتماد سناريو التناوب بين الدراسة الحضورية والتعلم عن بعد فإن السؤال المطروح هو: هل تم اعداد تصور واضح حول كيفية أجرأة هذا السيناريو على مستوى طبيعة ما سمي بالاستمرارية البيداغوجية، وعلى مستوى تدبير الزمن المدرسي، وعلى مستوى المواد الدراسية ومكوناتها وحصصها، من قبيل: أي من المواد الدراسية سيكون حضوريا وأي منها سيكون عن بعد؟ أي من مكوناتها سيكون حضوريا وأي منها سيكون عن بعد؟ كيف سيتم توزيع الحصص الدراسية والأحياز الزمنية لهذه المواد والمكونات؟ كيف سيتم إنجاز التقييمات اللازمة للمكتسبات السابقة وبناء وتفعيل خطط للدعم البيداغوجي الاستدراكي المؤسساتي؟ وهل الاستمرارية البيداغوجية عن طريق التعليم عن بعد ستنجز، أيضا، كما في السابق، عن طريق ما سمي بالأقسام الافتراضية وتطبيقات الواتساب والسكايب ومواقع التواصل الاجتماعي، وعن طريق الدروس المصورة التي تم توطينها بمنصة تعليمية رسمية وتبثها القنوات التلفزية التابعة للشركة الوطنية؟ وماذا عن تكافؤ الفرص والعدالة البيداغوجية؟ وهل يمتلك المدرسات والمدرسون الرؤية الواضحة والإمكانيات اللازمة والوقت الكافي لإنجاز صيغ إجرائية لتفعيل التوجيهات الوزارية المتعلقة بهذا السيناريو، في حال اعتماده، بعد أن تسند إليهم الأقسام والمستويات الدراسية، وقبل الانطلاق في التفعيل والأجرأة؟
إن الأمر ليس بسيطا وجزئيا كما قد يعتقد البعض، ولكنه يحتاج إلى تصور ميكروسكوبي للمناهج الدراسية وهويتها ودعاماتها “الفلسفية” والمعرفية والبيداغوجية. أضف إلى ذلك سؤالا فرعيا آخر يتعلق بالتدبير الإداري على مستوى الخريطة المدرسية التي سيتم الاشتغال وفقها، وعلى مستوى جداول الحصص واستعمالات الزمن التي سيتم اعتمادها، وعلى مستوى الإمكانات البشرية والتقنية واللوجيستيكية والصحية التي سيتم رصدها لذلك.
السيناريو الثالث:
في حالة اعتماد السيناريو الآخر الأكثر غموضا وضبابية، سيناريو الاستمرار في تعليق الدراسة الحضورية واعتماد استمرارية التعلمات عن بعد، فإن السؤال المطروح هو: هل تم وضع تصور واضح ودقيق حول كيفية أجرأة هذا السيناريو على مستوى القسم الدراسي تقنيا وبيداغوجيا، وعلى مستوى الإدارة التربوية تقنيا ومعلوماتية وتدبيريا؟ وهل يمكن اعتماد هذا السيناريو قبل أن تخرج نتائج التقييم الذي أنجزته المفتشية العامة المكلفة بالشؤون التربوية ” للتعلم عن بعد” خلال شهر مايو الماضي وتقاسمها مع مختلف المتدخلين واستثمارها من طرف صناع القرار التربوي في الإعداد للدخول المدرسي المقبل؟ وهل تم وضع تصور لتجاوز اختلالات المرحلة السابقة على مستوى الإنصاف البيداغوجي والمجالي والسوسيو ثقافي والسوسيو اقتصادي للأسر لما له من أثر على مستوى الانخراط وبناء التعلم والتحصيل الدراسي؟ وهل تم بناء تصور لتطوير التعليم عن بعد وتجاوز تعثراته والانتقال به من مجرد توفير نسخة رقمية صامتة أو ناطقة لوثائق بيداغوجية ورقية إلى أنشطة تعلمية تفاعلية عن بعد؟ إذا ما انطلقنا من فكرة مفادها أن التعلم ليس في حجم المعارف التي تنقل للمتعلم(ة) عن طريق وسيط بشري أو إلكتروني. وأن التعليم ليس مجرد تقريب المعرفة الجاهزة من المتعلم(ة) أو تقريب المتعلم(ة) من هذه المعرفة . وإنما هو إرساء وتنظيم وتدبير لعلاقات بيداغوجية هادفة ومنتجة، وتوفير لبيئة بيداغوجية آمنة تساعد المتعلمات والمتعلمين على تنمية رغبتهم وحاجاتهم إلى التعلم كما هو سلسلة أفعال توجيهية تستهدف تعبئة المتعلم(ة) داخليا وتحفيزه للانخراط في مواجهة الوضعيات البيداغوجية السياقية المنتجة للمعرفة، وفي بناء هذه المعرفة في سياق نمائي ملائم للحاجات والخصائص الفئوية والقدرات الفردية، وفي اشتغال مهارات التفاوض المستمر مع هذه المعرفة، وفي تحسين القدرة على المساهمة في المجهود الجماعي ضمن جماعة الصل الدراسي/ جماعة التعلم لإنتاج المعرفة وتقاسمها. وهو ما لا يمكن أن تحققه الدروس المصورة التي تبثها القنوات التلفزية وتم توطينها عبر منصة TelmidTice لأنها، بشكل أو بآخر، تتعامل مع متعلم(ة) متخيل(ة) موجود(ة) في مخيلة الأستاذ(ة) عارض(ة) الدرس عن طريق معرفة جاهزة “محكمة التنزيل”. تستند إلى رؤية بيداغوجية سلوكية إجرائية تقوم على أساس “السؤال المقترح والجواب المطلوب”، وهو تنميط بيداغوجي كان للمدرسة المغربية أن قطعت معه، على الأقل نظريا، منذ قرابة عشرين سنة ماضية. إن هذه الدروس المصورة تكمن إيجابيها وفائدتها في كونها تشكل رصيدا تراكميا مهما اجتهدت الأطر التربوية في إنتاجه بإمكانياتها المحدودة والذاتية، تسهل عملية تخزين المعارف وتوفر إمكانية الرجوع إليها لأكثر من مرة حسب الحاجات، وتتضمن معارف مدرسية ذات ارتباط بمضامين مفردات المناهج الدراسية وقابلة للنقل والتداول إذا ما سلمنا بأن هذه الدروس المصورة مصادق عليها من طرف مديرية المناهج التي هي صاحبة الاختصاص، أولا وأخيرا، في المصادقة على الموارد البيداغوجية الرسمية ورقيا كانت أو رقمية.
السيناريو الممكن:
إن الحراك الوبائي خلال الفترة الأخيرة، إن على مستوى بلادنا أو على مستوى العديد من دول العالم، يفيد أن الأمر لا يتعلق بحالة طارئة وإنما يتعلق بوضعية وباء يبحث لنفسه عن الإقامة، وأن القبول به والتعايش معه إلى غاية إصابته بالإرهاق والضعف أمر مطلوب مادامت الإجراءات الإحترازية والصحية المعتمدة، في كثير منها، يجب أن تتحول إلى قواعد للسلامة وعادات صحية مجتمعية علينا أن نُعدّ لها العدد وأن نتربى عليها لما لها من دور حمائي ووقائي مهم في حياتنا اليومية. وأن الدعوة الملكية السامية التي تضمنها الخطاب الملكي السامي إلى الأمة بمناسبة الذكرى الحادية والعشرين لعيد العرش المجيد حين قال جلالة الملك” أدعو لمواصلة التعبئة واليقظة والتضامن، والالتزام بالتدابير الصحية، ووضع مخطط لنكون مجندين ومستعدين لمواجهة أي موجة ثانية من هذا الوباء، لا قدر الله، خاصة أمام التراخي الذي لاحظناه” هي دعوة يتطلب تفعيلها التخطيط الاستراتيجي المناسب، وحزمة تدابير وإجراءات ذات أولوية قد تشكل بعض منها ثورة حقيقية في منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي في الوقت الراهن، وخصوصا إذا استحضنا مقتضيات الباب الخامس من القانون الإطار 51-17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ومنها المادة 33 التي دعت الحكومة إلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة والمناسبة لتمكين مؤسسات التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي في القطاعين العام والخاص من تطوير موارد ووسائط التدريس والتعلم والبحث في منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ولا سيما من خلال الآليات التالية:
– تعزيز إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في النهوض بجودة التعلمات وتحسين مردوديتها؛
– إحداث مختبرات للابتكار وإنتاج المواد الرقمية، وتكوين مختصين في هذا المجال؛
– تنمية وتطوير التعلم عن بعد، باعتباره مكملا للتعليم الحضوري؛
– تنويع أساليب التكوين والدعم الموازية للتربية المدرسية والمساعدة لها؛
– إدماج التعليم الإلكتروني تدريجيا في أفق تعميمه.
إن الدخول المدرسي المقبل لن يكون دخولا عاديا مهما كان أمر الحالة الوبائية، وأن الإعداد له يطلب تجنيد كل الإمكانيات وتكثيف الجهود والتعبئة الشاملة في سياق إرساء ما عبر عنه جلالة الملك في نفس خطابه السامي بـ” تعاقد وطني بناء، يكون في مستوى تحديات المرحلة وانتظارات المغاربة”.
ومن ضمن هذه الأولويات في المرحلة الراهنة نقترح:
إقرار سيناريو “التناوب البيداغوجي” القائم على:
مبدأ التكامل بين الأنشطة التعلمية الحضورية واستمرارية أنشطة التعلم عن بعد بنسب متفاوتة حسب الأسلاك التعليمية والمواد الدراسية ومكوناتها تستند إلى طبيعة المرحلة النمائية للمتعلمات والمتعلمين وخصوصيات الفئات المستهدفة وطبيعة المواد الدراسية ذاتها؛
مبدأ التدرج عبر الأسلاك والسنوات الدراسية التي يتكون منها كل سلك في إقرار نسب التفاوت بين الأنشطة التعلمية الحضورية والأنشطة التعلمية عن بعد. حيث يتم إعطاء الأنشطة التعلمية الحضورية في التعليم الابتدائي الحظ الأكبر على أن يتم إقرار التدرج في تقليص مدتها لتفسح المجال للأنشطة التعلمية عن بعد كلما اتجهنا نحو سلك التعليم الثانوي التأهيلي والتعليم العالي.
اعتماد مبدأ التناوب الزمني بحيث تعمل كل المؤسسات التعليمية بالتوقيت المستمر ومبدأ التفويج والأقسام المخففة والتناوب على استعمال الحجرات بالشكل الذي يسمح بإرساء نظام للتعقيم الدوري والمواكبة الصحية اليومية؛
مبدأ التنوع البيداغوجي حسب الأسلاك التعليمية. حيث يُعتمد ما يطلق عليه في الأدبيات البيداغوجية باللعب البيداغوجي في التعليم الأولي وما يطلق عليه في الأدبيات البيداغوجية ” بالبيداغوجيات التفاعلية” في التعليم الإلزامي من الأسفل إلى الأعلى، أي بدءا بالتعليم الابتدائي في اتجاه التعليم الثانوي التأهيلي والتعليم العالي. واعتماد ما يطلق عليها في الأدبيات البيداغوجية ” بالفصول المعكوسة” من الأعلى إلى الأسفل أي بدءا بالتعليم العالي والتعليم الثانوي التأهيلي في اتجاه التعليم الإعدادي والابتدائي. سواء باعتبارها بيداغوجية كما يقول عنها البعض أو باعتبارها استراتيجية كما يقول عنها الآخرون أو باعتبارها مقاربة كما أميل إلى وصفها.
مبدأ الرصد الكفاياتي: حيث يتم الاشتغال على مفردات المناهج الدراسية من طرف هيئة التأطير والمراقبة التربوية والمدرسات والمدرسين، حسب الأسلاك التعليمية والخصوصيات المجالية للفئات المستهدفة باعتماد شبكات رصد التحكم في درجة نماء الكفايات في كل مستوى دراسي واعتماد الأطر المرجعية للمواد الدراسية من أجل بناء أنشطة تعلمية ناجعة وأفعال توجيهية دقيقة تجعل الأنشطة التفاعلية سواء حضوريا أو عن بعد تحقق أهدافها. وذلك بدءا بمرحلة تقويم المستلزمات ومرحلة الدعم البيداغوجي الاستدراكي وانتهاء بتقديم مفردات المنهاج الدراسي الجديد. على أن تكون الأنشطة التعلمية عن بعد فرصة للتعلم الفردي والبحث والاستكشاف والتقصي وصياغة الفرضيات وإعداد وإنجاز المشاريع الفردية والجماعية والشخصية وإنجاز أنشطة التمهر والتطبيق والتقويم التكويني. أما الأنشطة التعلمية الحضورية فيجب أن تكون فرصة للبناء الجماعي للتعلمات وفرصة لتقاسم المكتسبات وفرصة لتنمية تطوير المهارات الناعمة وعلى رأسها التفاوض والإقناع مادامت مقاربة “الفصول المعكوسة” لا تعتمد أنشطة تعلمية تستهدف تنمية القدرة على استيعاب المعارف وحسب، أو تنمية القدرة على توظيف هذه المعارف واستثمارها في حل المشكلات ومواجهة الوضعيات المستجدة وحسب، وإنما أيضا القدرة على إنتاج المعرفة والقدرة على التفاوض مع المعرفة ومع الذات والقدرة على إقناع الآخرين والتأثير فيهم عن طريق المعرفة والقدرة على إنتاج البدائل التي تجعل المعرفة في حالة تجدد مستمر وفي حالة تطور مستمر وفي حالة إنتاجية دائمة تجعل نواتج التعلم وظيفية واجتماعية بل واقتصادية أكثر نجاعة ومردودية.
مبدأ العدالة الرقمية فبدل الاستمرار في تنفيذ المبادرة الملكية مليون محفظة في صورتها المعهودة يتم الانتقال إلى إقرار وتنفيذ المبادرة الملكية مليون لوحة إلكترونية على أن يتم تحميل الكتب والكراسات المدرسية على هذه الألواح وكذا تطبيقات تفاعلية وروابط يمكن استثمارها في مختلف الأنشطة التعلمية سواء كانت حضورية أو عن بعد مع تمكين المتمدرسات والمتمدرسين والمدرسات والمدرسين وهيئة التأطير والمراقبة التربوية من الدخول إلى المنصات التعليمية واستعمال تطبيقات Microsoft 365 مجانا.
مبدأ رقمنة وسائل ومعدات الإنجاز حيث يتم إطلاق برنامج وطني لتمكين المدرسات والمدرسين والمديرات والمديرين والمفتشات والمفتشين من الحواسيب والألواح الإلكترونية من خلال تحديد أفق زمني يقطع مع الزمن الورقي في التخطيط وإنجاز الأنشطة التربوية ومواكبتها؛
مبدأ إلزامية إقرار الأنشطة المندمجة حضوريا وعن بعد ضمن جداول الحصص واستعمالات الزمن والمواكبة الإدارية والمراقبة التربوية مادامت المرحلة السابقة من “الاستمرارية البيداغوجية” قد أكدت أهمية هذه الأنشطة وإمكانية إنجازها عن بعد والمستوى الجيد لانخراط المتعلمات والمتعلمين فيها.
2 – إرساء مقومات الريادة الناجعة من خلال:
إحداث لجنة وطنية ولجان جهوية وإقليمية ومحلية لتدبير الدخول المدرسي تضم كل المدخلين(السلطات المكلفة بالتربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي والسلطات الصحية والسلطات المحلية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وفيديراليات الأمهات وآباء وأولياء التلاميذ والجماعات الترابية) يعهد إليها تدبير الدخول المدرسي إن على مستوى التخطيط أو على مستوى التدبير أو المواكبة أو على مستوى التتبع والتقييم في إطار سيرورة لإرساء حكامة تدبيرية مندمجة لمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي تقوم على التعاقد والمسؤولية المشتركة والتعبئة الجماعية وبناء الحس التضامني المشترك؛
اعتماد مبدأ تفويض الاختصاصات وتدبير القرب لإيجاد الحلول الممكنة لأسئلة الواقع والمقاربة التصاعدية في تدبير الشأن التربوي؛
الإسراع بإخراج مقرر تنظيم السنة الدراسية يستند إلى سيناريو التناوب البيداغوجي ويعتمد برنامج زمنيا واقعيا ودقيقا يعتمد ثلاث محطات أساسية:
محطة إرساء الدخول المدرسي والتي يجب ألا تقل عن عشرين يوما الأولى من شهر شتنبر المقبل، تنجز خلالها مختلف عمليات التعاقد والإرساء والتعبئة والتأطير وإنتاج الوثائق ومستلزمات انطلاق الدراسة باعتماد مبدأ التناوب البيداغوجي؛
محطة الدعم البيداغوجي وإعادة إدماج المتعلمات والمتعلمين، والتي يجب ألا تقل عن شهر كامل. تعتمد مبدأ العودة التدريجية للمتعلمات والمتعلمين حسب الأسلاك بدءا بالتعليم الثانوي التأهيلي. تنطلق باستثمار نتائج مستوى تقدم تنفيذ البرامج الدراسية بمختلف المستويات الدراسية خلال الموسم الدراسي الحالي. وتركز على المستلزمات الدراسية ذات الأولوية. وتنتهي بإنجاز المراقبة المستمرة الأولى التي من خلالها يمكن رصد مستوى نماء درجة الكفايات لدى المتعلمين وترسيخ تنوع الأنشطة التي يفرضها سيناريو التناوب البيداغوجي.
محطة تنفيذ البرامج الدراسية وفق تصور جديد تمت الإشارة أعلاه إلى بعض أسئلته الموجه لبنائه وفق سيناريو التناوب البيداغوجي والمبادئ الأساسية لتدبيره.
الخلاصة:
كان الموسم الدراسي الحالي باستثنائية وبنتائجه وبتراكماته وبرصيده من التعبئة المجتمعية والانخراط الإيجابي والفعال، وما عرفه من مبادرات وقرارات، غنيا واستثنائيا بامتياز. قدم صورة إيجابية، استرجعت معها المدرسة المغربية العمومية بانخراط وتضامن نسائها ورجالها وبأدائها وبأدوارها درجة ملحوظة من ثقة المجتمع. كما أبرز المجتمع المغربي في تعاطيه مع استثنائية هذا الموسم الدراسي سواء على مستوى المواكبة المجتمعية أو الوالدية قدرة المجتمع المغربي على إنجاز تحولاته التاريخية بكل فعالية. وأن المدرسة المغربية أثبت قدرتها على المواكبة وقدرتها على استيعاب المستجدات إذا ما توفرت الإرادة السياسية الحقيقية والريادة الناجعة لمختلف مستويات المنظومة.
أما الدخول المدرسي المقبل، وارتباطا بالحراك الوبائي غير القابل للاحتواء الكامل، لن يكون دخولا عاديا، وأن إرساء هذا الدخول وفق سيناريو التناوب البيداغوجي بين الأنشطة التعلمية الحضورية والأنشطة البيداغوجية عن بعد، يتطلب إقرار استمرارية التدابير الصحية الاحترازية. كما يتطلب إنجاحه رؤية استراتيجية جريئة لا تغامر بمصير المدرسة المغربية ومصير جيل من المتعلمات والمتعلمين، وإقرار تدابير ذات أولوية تتميز بالواقعية وقدرتها على إنتاج الحلول الممكنة وضمان الانخراط اللازم لمختلف المتدخلين، مادام التاريخ لن يعيد نفسه، وأن زمن المدرسة المغربية لا يمكن أن يتوقف، وأن حاضرها واقع لا يعلى عليه، وأن مستقبلها لا ينتظر أحدا، وأن تجديدها تقنيا وتربويا وتدبيريا على ضوء ما يعرفه محيطها من مستجدات رهان دولة ومجتمع لا يقبل التأجيل
.