بقلم عبد الحفيض زياني
بمجرد الإعلان عن موعد المعركة الانتخابية، حتى اندلعت حرب التزكيات، وبدأ الجري وراء حجز المراتب الأولى ضمن اللوائح المتنافسة، الأمر الذي يضع أهمية ودواعي التهافت حول ولوج المسؤوليات في صدارة الاهتمام، ويبرر السباق الساخن نحو حصد الامتيازات، لكن ثنائية العلاقة بين المجتمع وساسة المرحلة من اللازم أن تكون علاقة مصالحة وقبول وانتقاء، حتى لا تسقط في فخ سوء الاختيار، فيتسع المجال، على أوسع نطاق، بين المبتغى و الخطاب، فيصبح التواصل في اتجاه دروب الخيال والوهم، فيحول دون السماح بتقويم المسار، فيصعب تجاوز الثغرات والاختلالات، ولكي يخدم الخطاب الانتخابي، أدواره المرحلية، عليه أن يعقد المصالحة مع ذاته أولا، وماضيه البئيس، الذي ترك سلبيات ونقائص خلفت تراكمات، سوف يصعب تجاوزها بسهولة ويسر، عليه، إذن، أن يعتمد الأبعاد الواقعية للتنمية، وأن ينطلق من روح الثقافة المجتمعية، ويخلص لها، ليخضع، في إطار تقويمه الذاتي، لمنطق مساءلة الذات، أولا، ثم إمكانية المساهمة في صنع خريطة طريق الحياة العامة.
يصنف الخطاب الانتخابي نفسه بديل الظرفية، لكنه، في الحقيقة، يعد مجرد ممر لعبور قنطرة يختلط فيها المادي بالبشري، كما يمثل رهانا قويا عند المتنافسين، يفرض كسبه اعتماد كل الوسائل، وابتكار جميع الأساليب، المباح وغير المباح، كما ينصب نفسه خلاصا لابد منه، لتجاوز المرحلة بكل مواصفاتها، ثم إنتاج وهم التغيير، أو تغيير الوهم بالوهم.
لعل من شروط التأسيس لمصداقية الخطاب الانتخابي، هو قدرته على طرح حلول للإشكالات الكبرى، تلك التي يعيشها المجتمع، واقتراح بدائل للقضايا الكبرى، التي تعد أساسيات ترتبط بمصالح المواطن، فمن السمات البارزة لقياس مدى صدق الخطاب الانتخابي أو كذبه، هي التركيز على المنحى الوظيفي، ثم تفعيل البرنامج، الغائب/ الحاضر، لدى الغالبية، في المشوار الانتخابي بأكمله.
يعد الخطاب الانتخابي عملية تواصلية بين مختلف الألوان الحزبية و فئات المجتمع، حيث ينحصر مضمونها في أمور ترتبط بفترة الاستحقاق، وأجندته الضيقة، ليسيطر عليها الفتور فيما بعد، فتختفي نهائيا عن الواقع إلى حين.
على النخب السياسية/ الحزبية التي تحاول وضع نفسها كبديل للمرحلة القادمة، أن تكون في المستوى الذي يؤهلها لسد الفراغ الذي ظل، لفترات، يهدد استمرارية توجهاتها، ويضع مصداقية مؤسساتها الحزبية على المحك، الأمر الذي سينعكس على ممارستها السياسية، لتصبح مهددة بفقدانها شرعيتها ومكانتها، على السواء، بسبب سقوطها في تناقضات، في أغلب الأحيان، بين هويتها وخطابها المغرق في الوهم.
إن الحديث عن المشهد الانتخابي يجرنا إلى الحديث عن أزمة خطاب، ذاك الذي يعمل على تلميع الصورة، دون تحقيق مغزاه الأساسي، بسبب فقدانه للصدق، وتكريسه لأزمة الثقة، نتيجة سقوطه في تناقضات مع الممارسة التي تعد، بحق، محكا فعليا و حقيقيا لتبيان مدى صدقه وفاعليته، بل إن جمود الممارسة وقصورها لهو أكبر معيار لتقويم الأداء، مما يفرض على المؤسسات الحزبية تنزيل مقرراتها التنظيمية والانضباط لها، ثم اقتراح بدائل حقيقية، من خلال تحيين البرامج وفق ترتيب الأولويات، قصد تجاوز لعنة الماضي بكل إخفاقاته…
عبد الحفيظ زياني