بقلم الاستاد سفيان حميت
إن أي نقاش سياسي -محليا- لا يجب في نظري أن يغفل على الأقل حقيقتين مهمتين:
الأولى:أن الدريوش وإن كان قد قطع أشواطا في الانتقال نحو التمدين الذي تبدو مظاهره بادية للعيان لا على مستوى التنظيم والتهيئة المجاليين ولا على مستوى الإداري… إلا أنه لم يفارق أبدا هويته وعمقه البدويين؛ لا من خلال طبيعة العلاقات الاجتماعية التي تؤطر فضاءه العام ولا من خلال القيم التي تنتظم حولها هذه العلاقات و ما يترتب عنها من سلوكات…
الحقيقة الثانية: قرار الدريوش ليس بيد الساكنة ولا بيد من ينوب عنهم ظاهريا،
كل ما يُقرر مصير البلاد والعباد في هذه الأرض السعيدة يُتخد خارج الدوائر الرسمية لإنتاج القرار السياسي،وخارج السيرورة و القواعد المؤطرة لعمل هذه المؤسسات التي لا تعدو أن تكون رجع صدى لموائد” التسويات وتقسيم الكعكة” والتي بيدها الحل والعقد؛
وهذا ليس معناه أن هذه الكيانات المذكورة منفصلة ماديا عن المؤسسة التي يحاولون من خلالها تصريف أجندتهم الخاصة…بل قد يكونون جزءا من تشكيلاتها وربما فاعلون مؤثرون فيها.
وبالتالي فإن أي محاولة لقراءة الواقع السياسي بالدريوش أو أي جهد لتغيير مساره،لا يجب أن يغفل أبدا حقيقة أن مناطق الظل في الممارسة السياسية أكثر بكثير من مناطق الضوء. وما يجري في الأولى هو الحقيقي أما الثانية فهي مجرد فضاء للإخراج، وصورة مشوهة عن ما يحدث وما سيحدث فعلا.
قد يعتقد البعض أن الحقيقتين المذكورتين؛ منفصلتان عن بعضهما البعض تماما،لكن عندما نتأمل الواقع جيدا؛ نجد على عكس ذلك أنهما مرتبطتين جدليا ببعضهما البعض.
فالطبيعة البدوية للمنطقة بما تنطوي عليه من قيم مناقضة للقيم المدنية هي من تحدد وتوجه السلوك السياسي محليا.
والممارسة القبَلية للفعل السياسي بما تتميز به من خصائص تتماشى مع طبيعة البنى الاجتماعية والثقافية هي السائدة إلى يومنا هذا في الدريوش، وهي من تجعل من المؤسسة الرسمية مجرد تابع وليس العكس.
وحتى نحسم هذا الأمر يمكن أن ندلل على ذلك من خلال مثال بسيط؛مثال تدبير العملية الإنتخابية.
فالعملية الانتخابية باعتبارها اللحظة الأساسية والأهم في بناء تعاقد سياسي بين الناخب والمنتخب لم تكن يوما كذلك في محيطنا،
بل شكلت فرصة لإعادة إنتاج وتسخير القنوات العتيقة نفسها المنتجة للزعامة قبَليا، وفرصة لتعبئة الرصيد والرأسمالين الثقافي والاجتماعي اللذين غالبا ما يكونان الفيصل في حسم هوية المرشح الفائز بالانتخابات سواء محليا أو وطنيا وعلى نفس الأرضية دائما؛أرضية التواطؤ والتوافق القبليّين…دون إغفال دور المال الانتخابي طبعا،
–> فمن تكون/وإلى من تنتسب/وكم تمتلك…؟
هي التاءات الثلاثة لحسم الزعامة/التمثيلية وهي من تحدد ايقاع واتجاه الممارسة السياسية في الأخير (هذا إن كانت أصلا ممارسة سياسية).